- دار الدعوةسائر نحو الفردوس الاعلى
- عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 30/11/2009
الصبر
الثلاثاء 01 ديسمبر 2009, 12:08 am
الصبر قرين اليقين " و جعلنا منهم أمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون " ( سورة السجدة / الآية 24 ) .
و لذلك قال سفيان : بالصبر و اليقين تنال الإمامة في الدين .
و الذي لا يصبر فإنه من السهل أن ينخلع عن دينه لأي شيء يعترض طريقه ، و من السهل أن يتخلى عن منهجه و حكمته لأي استفزاز ، و لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : " فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون " ( سورة الروم / الآية 60 ) .
و قال : " و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجراً جميلاً " ( سورة المزمل / الآية 10 ) .
كثيرا ما يقف الضالون في وجه الدعاة إلى الله عز و جل ، يقولون لهم : إن ما تدعون إليه ضرب من الخيال لا يمكن أن يتحقق في الواقع ، أنتم تدعون إلى أمور عفا عليها الزمن ، و نسيها الناس أو كادوا ، فينبغي أن ترضوا بما دون ذلك ، و أن تراجعوا آراءكم و اجتهاداتكم !!
و أمام ضغوط الواقع القائم ، و أمام العقبات الحقيقية و الوهمية في وجه تحقيق الإسلام ، و أمام طول الطريق .. قد يستجيب بعض الدعاة و يتأثر ، و يبدأ في إعادة النظر في فهمه للإسلام ، و فيما يقوله الخصوم !
و يا ليته إذ يفعل ذلك يفعله بروح الباحث المتجرد الشجاع المتطلع إلى الحق أين كان .. إذن لهان الخطب !
لكنه يفعله بروح " المنهزم " الذي يحس بأنه خرج من المعركة أسيرا أو كسيرا .. فهو يبحث في " عروض " القوم عن " حل " يجنبه المعركة مع الباطل .. مع الواقع المنحرف ..
· و هذا مثل :
الربا الذي انتشر ، و ضرب أطنابه ، و مد رواقه ، و قامت عليه اقتصاديات العالم كله - بما فيه العالم الإسلامي - و كاد أن يدخل جيب كل أحد حتى تحققت فيه نبوءة النبي صلى الله عليه و سلم ، حين قال : " يأتي على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه من غباره " . (1)
و هذا الحديث و إن كان فيه ضعف ، إلا أنه يشهد لصحة معناه قوله صلى الله عليه و سلم فيما رواه البخاري : " يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أكل ، أمن الحلال أم من الحرام " . (2)
هذا الحرام المستقر في نفوس الكثيرين و جيوبهم و مؤسساتهم و أموالهم ، بدلاً من أن يسعى الداعية لنهي الناس عنه ، و البحث عن البدائل الشرعية الصحيحة لتنمية أموال الناس و استثمارها ، و لإقامة بناء الاقتصاد الإسلامي السليم .. يأتيه الذين لا يوقنون فيحاولون أن يستخفّوه ليعيد النظر في صور من صور الربا الصريح ..
و أن لها مخرجا فقهيا و لو ضعيفاً أو شاذاً ! و هكذا يصبح " واقع الناس " في فترة من الزمان محدودة مرجعا لتعديل بعض الأحكام الشرعية المستقرة عبر القرون !
إنه فقدان الصبر في نفوس بعض الدعاة ، و مع فقدانه فقدان الأمل !
أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل !
و يا ليت الداعية ينصت لذلك الناصح الذي قال للخليل :
إذا لم تستطع شيئا فدعه *** وجاوزه إلى ما تستطيع
أنت لست مطالباً بتحقيق نصر واقع للإسلام ، فهذا أمره إلى الله متى شاء أن يحدث حدث ، لكنك مطالب ببذل جهدك في هذا السبيل فحسب ! و الرسل و الأنبياء كانوا يخاطبون بذلك : " إن عليك إلا البلاغ " ( سورة الشورى / الآية 48 ) .
و كانوا يقولون : " و ما علينا إلا البلاغ المبين " ( سورة يس / الآية 17 ) .
و قد يأتي أحدهم إلى بعض الدعاة و يقول له : أنت تعمل أعمالا جبارة ، و تواصل كلال الليل بكلال النهار ، لكن النتيجة في النهاية قليلة ، فالناس ينفضون من حولك ، و أنت ترى وسائل الهدم و التخريب قد استحوذت على الكثير منهم .. و أصبحت تفسد في ساعة ما يبنيه الداعية في سنة ! و :
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه و غيرك يهدم ؟؟
و هذا المنطق قد يؤثر على كثير ممن لم يعتادوا على عقبات الطريق .
و هنا يأتي دور " الصبر " الصبر الجميل .
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم ، و هو متوسد بردة في ظل الكعبة ، و قد لقينا من المشركين شدة ، فقلت : يا رسول الله ألا تدعو لنا ؟ ألا تستنصر لنا ؟
فقعد صلى الله عليه و سلم ، و هو محمرٌّ وجهه ، و قال : " لقد كان من قبلكم يمشط بمشاط من حديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، و يوضع الميشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ، و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله ، و الذئب على غنمه .. و لكنكم تستعجلون ! " . (3)
فالعجلة في قطف ثمار الدعوة و نتائجها لا تتناسب مع الصبر الذي يجب أن يتحلى به الداعية .
قد يكون الداعية في موقع من المواقع ( بلد ، مدرسة ، مؤسسة ، .. ) يجاهد في رد المنكرات و نشر الدعوة ، و يحدث على يديه خير كثير ، لكنه لا يحس به لأنه يجيء بصورة تدريجية .. كما لا يحس الأب بنمو طفله الذي يراه صباح مساء ! لأنه يكبر شيئا فشيئا !
و كم من داعية تخلى عن موقع من المواقع ظانا أنه ليس له أثر ، فلما تخلى بان فقده و ظهرت مكانته ، فكان كما قيل :
سيذكرني قومي إذا جد جدهم ***و في الليلة الظلماء يفتقد البدر
و كان كالكسعي (4)، الذي يصنع السهام و يرمي بها في الليل ، و يظن أنها لم تصب ما أراد .. فكسر القوس ، فلما أصبح رأى أنها قد أصابت فندم على كسرها .. و صار يضرب به المثل في الندم ، حتى قال الفرزدق حين طلق زوجته :
ندمت ندامة الكسعي لما *** غدت مني مطلقة نوار ! (5)
فعلى الداعية ألا يستعجل النتائج و الثمرات ، بل يسعى و يعتمد على الله تعالى ، و يدرك أنه بمنطق التجربة المقطوع بها من الناحية التاريخية ، و من الناحية الواقعية ، أن أي جهد صحيح يبذل في الأمة يكون له ثمرة ، إذ لم يقع في هذه الأمة أن أحدا دعا فلم يستجب له ، أو نصح فلم ينتصح بأمره و نهيه أحد ، أو عالما جلس للتعليم فلم يقعد إليه أحد ، إلا أن يؤتى من قبل نفسه ، بل كل داع يجد من يستجيب له ، إذ لم تصل الأمور إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم ، من الشح المطاع و الهوى المتبع ، و الدنيا المؤثرة ، و إعجاب كل ذي رأي برأيه ، لم يحدث هذا على مستوى الأمة كلها قط ، قد يقع في فرد أو أفراد أو جهة ، لكن الأمة فيها خير كثير ، و لا يزال عند الناس استجابة و قبول للدعوة ، و إصغاء لصوت الناصح ، إذا تكلم بعلم و حكمة .
بل إننا نجد في الأمم الكافرة اليوم في أمريكا و أوروبا و غيرها أن من يحملون لواء الدعوة إلى الله يجدون من يستجيب لهم من الكفار ، و في مراكز كثيرة كانوا يذكرون لنا إحصائيات الذين يسلمون أسبوعيا فكانت بالعشرات من الرجال و النساء .
و هذه الحقيقة التاريخية الواقعية ، التي تثبت أن كل جهد له ثمرة هي أيضا حقيقة شرعية :
" فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه ، و إنا له كاتبون " ( سورة الأنبياء / الآية 94 ) .
و قال : " ليجزي الله الصادقين بصدقهم " ( سورة الأحزاب / الآية 24 ) .
" من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء " . (6)
" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة .. " . (7)
فكل عمل له جزاء ، و كل داع له أتباع
- *الأعصار الصامت*المدير العام
- الجنس : عدد المساهمات : 4286
تاريخ التسجيل : 14/02/2009
العمر : 47
الموقع : سمو المشاعر الايمانية اللايت سي..الشبكة الاسلامية
العمل/الترفيه : في مجال البناء
المزاج : حازم
تعاليق : ظَمَأُ الكَواسِرِ ِ يًروِيهِ دَمٌ...يرَاقُ من ذَلِيلِ قُطعَان ِ...
وَتَأنَفُ السِّباعُ أَكلَ جِيَف ٍ....تُلقَى بِدَربٍ بعد نُحرانِ ِ..
وَتَرفَعُ تَحِيَّةً وهي تُمَزِّقُ...مَن خَاضَ الغِمارَ كَشُجعَان ِ..
فَالأُسدُ شِيمَتُهَا رِفعَة ً تُتَوِّجُهَا...رُسُوخُ الهَام ِ بِمَيدَان ِ..
رد: الصبر
الثلاثاء 01 ديسمبر 2009, 11:06 pm
لكنه يفعله بروح " المنهزم " الذي يحس بأنه خرج من المعركة أسيرا أو كسيرا .. فهو يبحث في " عروض " القوم عن " حل " يجنبه المعركة مع الباطل .. مع الواقع المنحرف ..
اختيار موفق جدا اختنا دار الدعوة بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى
الاعصار الصامت
مزيدا من التفاعل
اختيار موفق جدا اختنا دار الدعوة بارك الله فيك وجزاك الفردوس الاعلى
الاعصار الصامت
مزيدا من التفاعل
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى