- ~silent soul~رائع فوق العادة
- الجنس : عدد المساهمات : 552
تاريخ التسجيل : 12/07/2011
العمر : 30
أصحاب الأخدود
الأربعاء 17 أغسطس 2011, 12:19 am
أشار
الله في كتابه العزيز إلى قصة أصحاب الأخدود في آيات معدودة من سورة
البروج بشكل مختصر ، وذلك على طريقة القران في الإيجاز ، وعدم الخوض في
التفاصيل ، وجاء في الحديث النبوي مزيد بيان وتوضيح لهذه القصة وتفاصيلها ،
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(
كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت
فابعث إلي غلاما أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا
سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب
وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا
خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر ،
فبينما هو كذلك ، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم
آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب
أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ،
ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ، أنت اليوم
أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ،
وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع
جليس للملك كان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال ما هاهنا لك أجمع إن
أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله
دعوت الله فشفاك ، فآمن بالله ، فشفاه الله ، فأتى الملك فجلس إليه كما
كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ، قال : ربي ، قال : ولك رب
غيري ، قال : ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ،
فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه
والأبرص ، وتفعل وتفعل ، فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فأخذه
فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك
، فأبى ، فدعا بالمئشار ، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ،
ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع المئشار في
مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام ، فقيل له : ارجع عن دينك
، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ،
فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ،
فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم
الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال
: كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في
قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به فقال :
اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء يمشي إلى
الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال : كفانيهم الله ، فقال للملك :
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال وما هو ، قال : تجمع الناس في
صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد
القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك
قتلتني ، فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته
، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه ،
فوقع السهم في صُدْغِهِ ، فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات ، فقال
الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، فأُتِيَ
الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حَذَرُكَ ، قد آمن
الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت ، وأَضْرَمَ النيران ، وقال :
من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ، أو قيل له : اقتحم ففعلوا ، حتى جاءت
امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ
اصبري فإنك على الحق ) .
إنها
قصة غلام نور الله بصيرته ، وآتاه من الإيمان والثبات ، والذكاء والفطنة ،
ما استطاع به أن يغير حال أمة بأكملها ، وأن يزلزل عرش ذلك الطاغية
المتجبر ، الذي ادعى الألوهية من دون الله ، فقد كان لهذا الملك ساحر يعتمد
عليه في تثبيت ملكه ، وإرهاب الناس لينصاعوا لأمره ، فكبر سن هذا الساحر ،
وطلب من الملك أن يرسل له غلاما ، ليرث علمه ، ويخلفه في مهمته ، وكان من
إرادة الله الخير لهذا الغلام أن كان هو المرشح لهذه المهمة ، وتعرف في
أثناء ذهابه إلى الساحر وعودته من عنده على راهب مؤمن ، دعاه إلى الإيمان
والتوحيد فاستجاب له وآمن ، ودله الراهب على ما يتخلص به من تأنيب الساحر
وتأنيب أهله في حال تأخره عنهم ، وقد أراد الغلام أن يزداد يقينا واطمئنانا
بصحة ما دعاه إليه الراهب ، فوجد الفرصة سانحة عندما اعترضت دابة عظيمة
طريق الناس فعلم وتيقن أنه على الحق والهدى .
وعندها عرف الراهب أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم فأخبره بطبيعة ما سيلقاه في هذا السبيل ، وتعرضه لألوان من الابتلاء .
ثم
ذاع أمر الغلام واشتهر بين الناس ، وأجرى الله على يديه الكرامات من شفاء
المرضى وإبراء الأكمه والأبرص ، وكان يتخذ من ذلك وسيلة لنشر دعوته وتبليغ
رسالته ، حتى وصل خبره إلى الملك عن طريق جليسه الذي دعا له الغلام فشفاه
الله ، وشعر الملك من كلام الوزير ببوادر فتنة تهدد عرشه ، عندما صرح
بالألوهية والربوبية لغيره ، فأراد أن يعرف أصل هذه الفتنة ومصدرها ، حتى
وصل إلى الغلام ثم إلى الراهب ، وأراد أن يصدهم عن ما هم عليه ، فأبوا
واحتملوا العذاب والقتل على الكفر بالله ، وأما الغلام فلم يقتله قتلا
مباشرا كما فعل مع الوزير والراهب ، بل استخدم معه طرقا متعددة لتخويفه
وإرهابه ، طمعا في أن يرجع عن ما هو عليه ، ويستفيد منه في تثبيت دعائم
ملكه ، وفي كل مرة ينجيه الله ، ويعود إلى الملك عودة المتحدي ، وكان
الناس يتابعون ما يفعله الغلام خطوة بخطوة ، ويترقبون ما سيصل إليه أمره ،
فلما يئس الملك من قتله أخبره الغلام أنه لن يستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة
يحددها الغلام نفسه ، ولم يكن الغلام يطلب الموت أو الشهادة ، بل كان يريد
أن يؤمن الناس كلهم ، وأن يثبت عجز الملك وضعفه، في مقابل قدرة الله وقوته
، فأخبره أنه لن يستطيع قتله إلا بأن يجمع الناس في صعيد واحد ، ويصلبه
على خشبة ، ثم يأخذ سهمـًا - وليس أي سهم ، بل سهمـًا من كنانة الغلام -
ويرميه به
قائلاً : بسم الله رب الغلام .
وكان
للغلام ما أراد ووقع السهم في صدغه ثم وضع يده على مكان السهم ومات ، وما
كاد الغلام أن يسقط ميتاً ويتنفس الملك الصعداء بعد أن ظن أنه اقتلع هذه
الفتنة من جذورها ، حتى تنادى الناس من كل حدب وصوب مؤمنين بالله جل وعلا ،
مرددين : " آمنا برب الغلام " .
وهنا
جن جنون الملك ، وثارت ثائرته ، فقد وقع الأمر الذي كان يحذره ومن أجله
قتل الغلام ، فحفر الأخاديد ، وأضرم فيها النيران ، وتوعد كل من أصر على
دينه بأن يقذف فيها ، ولكن هيهات بعد أن كسر الغلام حاجز الخوف والرهبة في
نفوسهم ، وبين لهم بأبلغ رسالة وأفصح بيان عجز الملك وضعفه أمام قدرة الله
وقوته ، فرضي الناس بالتضحية بالنفس في سبيل الله ، على الرغم من أنه لم
يمض على إيمانهم إلا ساعات قلائل بعد الذي عاينوه من دلائل الإيمان ،
وشواهد اليقين ، وأنطق الله الرضيع عندما تقاعست أمه عن اقتحام النار،
فكانت آية ثبت الله بها قلوب المؤمنين .
إن
هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي
هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة
الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة ، وأن الحياة الدنيا وما
فيها من المتاعب والآلام ليست هي الميزان الذي يوزن به الربح والخسارة ،
لقد انتصر هذا الغلام عدة مرات في معركة واحدة وموقف واحد ، انتصر بقوة
فهمه وإدراكه لأقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته ، وإخراج أمته ومجتمعه
من الظلمات إلى النور ، وانتصر بقدرته على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت
المناسب ، متخطيا جميع العقبات ، ومستعليا على الشهوات ، ومتاع الحياة
الدنيا ، وانتصر عندما تحقق ما كان يدعو إليه وما قدم نفسه من أجله ،
وانتصر عندما فاز بالشهادة في سبيل الله ، وانتصر عندما خلد الله ذكره في
العالمين ، وجعل له لسان صدق في الآخرين ، صحيح أن الناس كلهم يموتون ،
ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .
الله في كتابه العزيز إلى قصة أصحاب الأخدود في آيات معدودة من سورة
البروج بشكل مختصر ، وذلك على طريقة القران في الإيجاز ، وعدم الخوض في
التفاصيل ، وجاء في الحديث النبوي مزيد بيان وتوضيح لهذه القصة وتفاصيلها ،
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(
كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت
فابعث إلي غلاما أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا
سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب
وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا
خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر ،
فبينما هو كذلك ، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم
آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب
أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ،
ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ، أنت اليوم
أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ،
وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع
جليس للملك كان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال ما هاهنا لك أجمع إن
أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله
دعوت الله فشفاك ، فآمن بالله ، فشفاه الله ، فأتى الملك فجلس إليه كما
كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ، قال : ربي ، قال : ولك رب
غيري ، قال : ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ،
فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه
والأبرص ، وتفعل وتفعل ، فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فأخذه
فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك
، فأبى ، فدعا بالمئشار ، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ،
ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع المئشار في
مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام ، فقيل له : ارجع عن دينك
، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا ،
فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ،
فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم
الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال
: كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به فاحملوه في
قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ، فذهبوا به فقال :
اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء يمشي إلى
الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال : كفانيهم الله ، فقال للملك :
إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال وما هو ، قال : تجمع الناس في
صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد
القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ، فإنك إذا فعلت ذلك
قتلتني ، فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته
، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : باسم الله رب الغلام ، ثم رماه ،
فوقع السهم في صُدْغِهِ ، فوضع يده في صُدْغِهِ في موضع السهم فمات ، فقال
الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، فأُتِيَ
الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حَذَرُكَ ، قد آمن
الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت ، وأَضْرَمَ النيران ، وقال :
من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ، أو قيل له : اقتحم ففعلوا ، حتى جاءت
امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ
اصبري فإنك على الحق ) .
إنها
قصة غلام نور الله بصيرته ، وآتاه من الإيمان والثبات ، والذكاء والفطنة ،
ما استطاع به أن يغير حال أمة بأكملها ، وأن يزلزل عرش ذلك الطاغية
المتجبر ، الذي ادعى الألوهية من دون الله ، فقد كان لهذا الملك ساحر يعتمد
عليه في تثبيت ملكه ، وإرهاب الناس لينصاعوا لأمره ، فكبر سن هذا الساحر ،
وطلب من الملك أن يرسل له غلاما ، ليرث علمه ، ويخلفه في مهمته ، وكان من
إرادة الله الخير لهذا الغلام أن كان هو المرشح لهذه المهمة ، وتعرف في
أثناء ذهابه إلى الساحر وعودته من عنده على راهب مؤمن ، دعاه إلى الإيمان
والتوحيد فاستجاب له وآمن ، ودله الراهب على ما يتخلص به من تأنيب الساحر
وتأنيب أهله في حال تأخره عنهم ، وقد أراد الغلام أن يزداد يقينا واطمئنانا
بصحة ما دعاه إليه الراهب ، فوجد الفرصة سانحة عندما اعترضت دابة عظيمة
طريق الناس فعلم وتيقن أنه على الحق والهدى .
وعندها عرف الراهب أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم فأخبره بطبيعة ما سيلقاه في هذا السبيل ، وتعرضه لألوان من الابتلاء .
ثم
ذاع أمر الغلام واشتهر بين الناس ، وأجرى الله على يديه الكرامات من شفاء
المرضى وإبراء الأكمه والأبرص ، وكان يتخذ من ذلك وسيلة لنشر دعوته وتبليغ
رسالته ، حتى وصل خبره إلى الملك عن طريق جليسه الذي دعا له الغلام فشفاه
الله ، وشعر الملك من كلام الوزير ببوادر فتنة تهدد عرشه ، عندما صرح
بالألوهية والربوبية لغيره ، فأراد أن يعرف أصل هذه الفتنة ومصدرها ، حتى
وصل إلى الغلام ثم إلى الراهب ، وأراد أن يصدهم عن ما هم عليه ، فأبوا
واحتملوا العذاب والقتل على الكفر بالله ، وأما الغلام فلم يقتله قتلا
مباشرا كما فعل مع الوزير والراهب ، بل استخدم معه طرقا متعددة لتخويفه
وإرهابه ، طمعا في أن يرجع عن ما هو عليه ، ويستفيد منه في تثبيت دعائم
ملكه ، وفي كل مرة ينجيه الله ، ويعود إلى الملك عودة المتحدي ، وكان
الناس يتابعون ما يفعله الغلام خطوة بخطوة ، ويترقبون ما سيصل إليه أمره ،
فلما يئس الملك من قتله أخبره الغلام أنه لن يستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة
يحددها الغلام نفسه ، ولم يكن الغلام يطلب الموت أو الشهادة ، بل كان يريد
أن يؤمن الناس كلهم ، وأن يثبت عجز الملك وضعفه، في مقابل قدرة الله وقوته
، فأخبره أنه لن يستطيع قتله إلا بأن يجمع الناس في صعيد واحد ، ويصلبه
على خشبة ، ثم يأخذ سهمـًا - وليس أي سهم ، بل سهمـًا من كنانة الغلام -
ويرميه به
قائلاً : بسم الله رب الغلام .
وكان
للغلام ما أراد ووقع السهم في صدغه ثم وضع يده على مكان السهم ومات ، وما
كاد الغلام أن يسقط ميتاً ويتنفس الملك الصعداء بعد أن ظن أنه اقتلع هذه
الفتنة من جذورها ، حتى تنادى الناس من كل حدب وصوب مؤمنين بالله جل وعلا ،
مرددين : " آمنا برب الغلام " .
وهنا
جن جنون الملك ، وثارت ثائرته ، فقد وقع الأمر الذي كان يحذره ومن أجله
قتل الغلام ، فحفر الأخاديد ، وأضرم فيها النيران ، وتوعد كل من أصر على
دينه بأن يقذف فيها ، ولكن هيهات بعد أن كسر الغلام حاجز الخوف والرهبة في
نفوسهم ، وبين لهم بأبلغ رسالة وأفصح بيان عجز الملك وضعفه أمام قدرة الله
وقوته ، فرضي الناس بالتضحية بالنفس في سبيل الله ، على الرغم من أنه لم
يمض على إيمانهم إلا ساعات قلائل بعد الذي عاينوه من دلائل الإيمان ،
وشواهد اليقين ، وأنطق الله الرضيع عندما تقاعست أمه عن اقتحام النار،
فكانت آية ثبت الله بها قلوب المؤمنين .
إن
هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار الحقيقي
هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على الغلبة
الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة ، وأن الحياة الدنيا وما
فيها من المتاعب والآلام ليست هي الميزان الذي يوزن به الربح والخسارة ،
لقد انتصر هذا الغلام عدة مرات في معركة واحدة وموقف واحد ، انتصر بقوة
فهمه وإدراكه لأقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته ، وإخراج أمته ومجتمعه
من الظلمات إلى النور ، وانتصر بقدرته على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت
المناسب ، متخطيا جميع العقبات ، ومستعليا على الشهوات ، ومتاع الحياة
الدنيا ، وانتصر عندما تحقق ما كان يدعو إليه وما قدم نفسه من أجله ،
وانتصر عندما فاز بالشهادة في سبيل الله ، وانتصر عندما خلد الله ذكره في
العالمين ، وجعل له لسان صدق في الآخرين ، صحيح أن الناس كلهم يموتون ،
ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .
- *سلسبيلا*نائبة المدير
- الجنس : عدد المساهمات : 5699
تاريخ التسجيل : 19/02/2009
المزاج : رائع
تعاليق : :
أكتب ما يقوله النّاس ضدك في | أوراقّ *
. . . . . . . . . . . . . . . وضعها تحت قدميك !
فـ كلما زادت الأوراق (ارتفعت أنت الى الأعلى )
رد: أصحاب الأخدود
الإثنين 26 ديسمبر 2011, 2:18 am
موضوع مممتاز تسلمي
- الحسين العراقيرائع فوق العادة
- الجنس : عدد المساهمات : 1451
تاريخ التسجيل : 24/01/2011
المزاج : التوحيد عقيدتي
تعاليق : أعمَل بِصمت وَدَع عَمَلَك يَتَكَلَم
رد: أصحاب الأخدود
السبت 31 ديسمبر 2011, 4:23 am
بارك الله فيك اخونا الطيب موضوع مهم جدا ويستفاد منه في قوة الايمان بالله والتوكل عليه
تقبل مروري اخوك
الحسين
تقبل مروري اخوك
الحسين
- بصمات قبل الرحيلعضو مبدع
- الجنس : عدد المساهمات : 58
تاريخ التسجيل : 01/01/2012
رد: أصحاب الأخدود
الإثنين 02 يناير 2012, 9:15 am
طرح رآئع ومميز
بـآرك الله فيك أخوي
بـآرك الله فيك أخوي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى