شبكة ومنتديات الفردوس الأعلى الجهادية
يسعدنا اخي الزائر واختي الزائرة ان تسجل معنا وتشاركنا في قلمك وافكارك وابداعاتك

اهلا بكم جميعا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شبكة ومنتديات الفردوس الأعلى الجهادية
يسعدنا اخي الزائر واختي الزائرة ان تسجل معنا وتشاركنا في قلمك وافكارك وابداعاتك

اهلا بكم جميعا
شبكة ومنتديات الفردوس الأعلى الجهادية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
التخلص من وساوس وهلاوس الشيطانالسبت 12 ديسمبر 2015, 3:10 amدمعة حزينة
هل يجوز ضرب الأطفال للتهذيبالسبت 21 نوفمبر 2015, 2:22 amدمعة حزينة
الأخلاق الحسنة سبب كل فتح وكل تكريمالأربعاء 02 سبتمبر 2015, 8:35 amدمعة حزينة
محمد صلى الله عليه وسلم صانع الرجالالجمعة 14 أغسطس 2015, 6:15 pmدمعة حزينة
هل الأنبياء فى قبورهم أحياء أم أنهم فى السماءالجمعة 14 أغسطس 2015, 6:13 pmدمعة حزينة
من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام لهالخميس 18 يونيو 2015, 9:03 amدمعة حزينة
صلاة التسابيح ورأى الشيخ الألبانى فيهاالأربعاء 03 يونيو 2015, 9:28 pmدمعة حزينة
تجليات المعراجالأحد 03 مايو 2015, 12:19 amدمعة حزينة
إعجاز رحلة الإسراء والمعراج لأهل هذا الزمانالخميس 23 أبريل 2015, 10:33 pmدمعة حزينة
أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناسالأربعاء 08 أبريل 2015, 9:50 pmدمعة حزينة
الى الاقصى بقلب موجوع...الأحد 18 يناير 2015, 9:59 am*الأعصار الصامت*
كَبِّر عليهم أربعاً..(أهل الارجاء)الأحد 18 يناير 2015, 9:57 am*الأعصار الصامت*
شؤون استراتيجية : هل "دولة العراق الإسلامية" مخترقة؟الجمعة 31 أكتوبر 2014, 1:54 amصقر الامجاد
تغريداتالجمعة 05 سبتمبر 2014, 9:11 pm*سلسبيلا*
التفجير عبر الهاتف النقالالخميس 21 أغسطس 2014, 2:54 amصقر الامجاد
بعض صور مدن فلسطينالسبت 02 أغسطس 2014, 4:37 pm*سلسبيلا*
وثائق سريه الجزيره تكشفها تنازل السلطه عن القدسالثلاثاء 29 يوليو 2014, 6:38 am*سلسبيلا*
كشف المستور خرائط لتنازل السلطة بشأن الاستيطانالثلاثاء 29 يوليو 2014, 6:31 am*سلسبيلا*
الاستعاذة عند القراءة من أول سورة براءةالأربعاء 16 يوليو 2014, 3:09 pm*سلسبيلا*
معلومه علاقة نمص الحاجب ؛؛ بسرطانالأربعاء 16 يوليو 2014, 4:23 am*سلسبيلا*
صفات الحروف الدرس العاشر في دورة التجويدالإثنين 14 يوليو 2014, 5:18 pm*سلسبيلا*
دروس احكام التجويدالثلاثاء 08 يوليو 2014, 4:36 pm*سلسبيلا*
تتنبيه تنبيهالخميس 03 يوليو 2014, 11:41 pm*سلسبيلا*
اعمال ثوابها يعدل قيام اليلالخميس 03 يوليو 2014, 4:19 pm*سلسبيلا*
هل قسا قلبك؟؟ ..فتعال إذاً هنا نبك معاً الخميس 03 يوليو 2014, 4:16 pm*سلسبيلا*
تدفق ال RSS

Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط شَبكِة وَمُنتَدَيَات الفِردَوس ِ الأَعلى..غُرفة سُمُوّ ِ المَشَاعِر الأِيمَانِيَّة على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط شبكة ومنتديات الفردوس الأعلى الجهادية على موقع حفض الصفحات
بحـث
نتائج البحث
بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية

الدين  الفرق  بالجهل  

برامج ننصح بها
برامج ننصح بها
microsoft office winrar 3.90
c cleaner mozilla firefox
total commander video convertor windows xp sp3
برامج تهمك




















أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
5699 المساهمات
4286 المساهمات
3368 المساهمات
1451 المساهمات
1261 المساهمات
847 المساهمات
795 المساهمات
670 المساهمات
642 المساهمات

اذهب الى الأسفل
*سلسبيلا*
*سلسبيلا*
نائبة المدير
نائبة المدير
الجنس : انثى عدد المساهمات : 5699
تاريخ التسجيل : 19/02/2009
المزاج المزاج : رائع
تعاليق : :

أكتب ما يقوله النّاس ضدك في | أوراقّ *

. . . . . . . . . . . . . . . وضعها تحت قدميك !

فـ كلما زادت الأوراق (ارتفعت أنت الى الأعلى )

الإيجاز في البلاغة العربية - الجزء الأول  Empty الإيجاز في البلاغة العربية - الجزء الأول

الأحد 02 أكتوبر 2011, 8:31 pm


بسم الله الرحمن الرحيم

بلاغة الإيجاز في العربية


ملخص عن البحث

هذا بحث يحدد لنا تحصيل صورة شـاملة للإيجاز من مختلف الجـوانب التي يتعرض لها في العربية، ويتركز على الإيجاز من ناحية كونه أسـلوب بلاغي ظاهر الأثر في بلاغة الكلام العربي، والإيجاز موضوع يزاحمه العلماء بغيره من الموضوعات في علم المعاني، ويشـار إليه في نقاط متناثـرة بين فنـون البلاغة، فنجعل من هذه الإشـارات دعائم في جمع مظاهر الإيجاز وأساليبه من الفنون العربية وأثره البارز فيما يضفيه من سحر وجمال على الكلام العربي، ليتوضح من خلال العرض والتحـليل "بلاغة الإيجاز في العربية"، فيكون البحث من خلال ما تضمنته اللغة في جل أساليبها البليغة من آيات قرآنية وأقوال نبوية إلى مختلف فنون الكلام العربي، وتوضيـح ما يتمتع به الإيجاز من حظ وافر فيما تضمنته بعض الأسـاليب البلاغية التي تتشـكل بدورها لوناً من ألوان الإيجاز، كما يسعى البحث إلى توضيح أن الإيجاز لا ينحصـر في كونه مجرد أسـلوب للتعبير عن المعاني، بالإشـارة إلى بعض الجـوانب الذي ورد على أنه ضـرب من ضروب الإيجاز، ثم يتناول خصائص الإيجاز لتوضيـح ما يحتويه من خصوصـية في اللفظ والمعنى، مما كان له دور كبير على بلاغته وأثـره في اللغة العربية، فهذا البحث يقـوم بتجميع ما يتعلق بالإيجاز في بحث خاص ينفرد به، ويتركز عليه من ناحية أثـره البلاغي، على منهج وصفي بسـرد ما يتعلق بالإيجاز وذكر أقوال العلماء فيه، وبيان أثره البلاغي في اللغة العربيـة، ومنهج تحليلي، بتحليل النصوص والشـواهد لبيان الوجـوه البلاغية في أسـلوب الإيجاز.

-----------

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

( وإن من البيان لسحراً )



بلاغة الإيجاز في العربية

اللغة العربية من أرقى الساميات لفظاً وسعة، وأرقى اللغات دلالة وفصاحة، وأشدّ ما يلفت فيها أنها لغة إيجاز، تعتمد على التركيز والاقتصاد على الجوهر، والتعبير بالكلمـة الجامعة والاكتفاء باللمحة الدّالة، فتوميء بإشارات معبّرة موحية إلى معاني خصبة وغزيـرة، وهي في ذلك تعني بإثراء الذوق ورقي الدلالة في البلاغة العربية، فيتناول البحث الإيجاز بصفة خاصة، وتوضـيح أثره في البلاغة العربيـة، من خلال النظر إلى كل ما يتعلق به من ذكر أقوال العلمـاء في تحديد الإيجاز بتعريف معين، وتوضيح الأسباب التي تؤدي إلى الإيجاز في القول، مع بيان أثر البيئة العربية في خلق دواعي الإيجاز، وتفضيل العرب والعربية له، ووقوف الإيجاز على حدود معينة يحرص بها على بلاغته وفصاحته، تجنباً من أن تلمسه شـواهد الإخلال، وأساليبه البلاغية التي ارتسمت في أقسام خطها العلماء له منذ القدم من غير أن يزيد عليها المتأخـرون.

ومن الأساليب البليغة التي تضمنتها اللغة نتبع أثر الإيجاز في العربية بصورة عامة، ابتداءً من الأسـاليب الإعجاز الإلهي في القرآن الكريم، والإعجاز النبوي الذي أوتي صاحبه صلى الله عليه وسـلم مجامع الكلم، ثم ألوان الكلام العربي التي اشتهر بها العرب من الحكم والأمثال والشعر والخطب، وبصورة خاصة الشواهد التي تدل على بلاغة الإيجاز، والتنبيه على أن الإيجاز في اللغة العربية ليس مجرد أسلوب من أساليب التعبير، وكونه نداً للإطناب أو نوعاً من بلاغة الأسلوب، بل يتعدى إلى أبعد من ذلك عندما نقتفي خطاه الواسعة، فندخل في جوانب لغوية أخرى، كالصوتي واللغوي والبلاغي، وهذا الجانب الأخير كان للإيجاز معه شأن كبير وحظ أوفر فيما تضمنته من أساليب وفنون بلاغية، وكيف تكون هذه الألوان لونا من الإيجاز.

ثم أن للإيجاز خصائصه التي تميز بها في الساحة اللغوية، وأكسبته دلالة بلاغية ومكانة عالية في اللغة العربي، نتبينها في ألفاظه ومعانيه، فهذا البحث يرمي إلى شمولية موضوع الإيجاز الذي تعرض له العلماء كجزء من علم المعاني، وكان متناثراً بين فنون البلاغة في كتب التراث، فيقوم البحث بتجميع كل ما يتعلق بالإيجاز في بحث مستقل خاص يرتكز عليه من ناحية أثره البلاغي.


الباب الأول


العربية لغة الإيجاز

تقديم: الإيجاز في العربية

إن أبرز ما يلفت الانتباه في لغة العرب أنها لغة إيجاز، وكيف أن كلمة واحدة فيها أو جملة واحدة تحتوي على ألوان من المعاني المختلفة والمتشبعة التي يتلاعب خيالها في ذهن المرء بسماعه لهذه اللغة، فإذا اقتفينا آثار خطى هذه اللغة المجيدة منذ بدايات عهدها في العصر الجاهلي، نجد أن العرب حينذاك شـديدي الحرص على الإيجاز في لغتهم، وقد كانوا يعمدون إلى حذف الحـرف والكلمة والجملة والجمل إذا وجدوا أن المعنى تامة بدونها، ويقتصرون على الإشارة المعبرة الموحية إلى المعنى فضلا عن السرد الممل.

وهكذا كانت السجية العربية الأولى تميل إلى الإيجاز، واللقطات الإيحائية في تعبيرها حين يغني اللمح عن التفصيل، وهذا ما نلمسه في أمثلتهم السائرة وخطبهم المتقطعة إلى فواصل كثيرة، وفي جعلهم البيت وحدة قائمة بنفسها.

وفي صدر الإسلام كان العرب يجعلون من الإيجاز عماد بلاغتهم وركن فصاحتهم، وكانت هناك عوامل مصاحبة مع قيام الدولة الإسـلامية دعت إلى هذا المطلب البلاغي في لغتهم، إلى جانب أنه طبع وسـليقة في اللغة العربية، وقد جاء أن الإيجاز طبيعـة فبي الشـعوب السـامية التي تتصـف لغاتها بأنها لغات إجمالية، تعتمـد على التركيـز والاقتصاد على الجوهـر والتعبير بالكلمة الجامعـة والاقتفاء باللمحـة الدالـة.

والإيجاز بعد أن كان روح وطبع لغوية صار للأهمية في تزيين الأسلوب اجتهاداً وروية وتدريبات، ويقول فيه الحكماء: "البلاغة علم كثير في قول يسـير"، و"خير الكلام ما قلّ ودلّ ولم يملّ"، وعمر رضى الله عنه يقـول: "ما رأيت بليغاً قط إلا وله في القول إيجاز، وفي المعاني إطالة"، وهذا بعض ما جاء في الإيجاز من أقـوال.

والإيجاز يسمى في بعض الأحيان بالاختصار، وقد يذكره بعض العلماء في كتبهم بالإشارة، وله تعريفات ومفاهيم مختلفة لدى أصحاب البلاغة واللغة، وأول من تعرض للإيجاز هو العسـكري في كتابه "الصناعتين"، وقد عرف الإيجاز بأنه: "قصور البلاغة على الحقيقة، وما تجاوز مقـدار الحاجة فهو فضل".

وقال السكاكي: الإيجاز أداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف.

وعند الرمـاني: البيان عن المعنى بأقل ما يمكن من اللفظ، وقد قد جاء في تفسيره للإيجاز بقوله: إذا كان المعنى يمكـن أن يعبر عنه بألفـاظ كثيرة، ويمكن التعبير عنه بألفاظ قليـلة، فالألفاظ القليلة إيجاز.

أما الجاحظ فقد قال في ذكر في حقيقة الإيجاز: "الإيجاز ليس يعني به قلة عدد الحروف واللفظ، وقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يسع بطن طومار فقد أوجز، وكذلك الإطالة وإنما ينبغي له أن يحذف بقدر ما يكون سببا لإغلاقه، ولا يردد وهو يكتفي في الإفهام بشطره، فما فضل عن المقدار فهو الخطل، أي يراد به حذف ألفاظ أو جمل من الكلام مالا يتسبب في إخلال المعنى أو التقصير فيها".

وفي الحقيقة أن الإيجاز كان له نصيب من الاهتـمام لدى القدماء، فإلى جانب ما ذكرناه من أقوال وتعريفات يجـدر منا ألا نغفل الإشـارة ألي أن "أرسـطو" قد ذكر الإيجـاز في كتابه "الخـطابة"، وكان مما جـاء فيه: "واعلم أن الكلام ربما نفع إيجازه حين يـراد الإفهـام الوحي، ويوثق بتعقب الإقناع إياه لمعـرفة حـال السـامع أو حـال الأداء".

هكذا، وان تباينت بعض النظريات والمفاهيم في تعريف الإيجاز، إلا أنها كلها تتفق على دلالة الإيجاز في الكلام عن طريق الإيحاء، لتناوله للمعاني بصورة أوسـع وأرحب حين يطلق سراح الذهن ويتجول فيها كيف شـاء بدون قيود أو حدود، مادامت يتمكلها اللفظ بالتفسير أو التأويل.

ولا ينبغي أن يكون مقياس البلاغة في الإيجاز قله عدد الحروف فقط، بل عما يحمله اللفظ من معنى، وما يثيره من صور وأفكار، وقد يكون بذلك أدني إلي الفصاحة المتمة لصورة الإيجاز في البلاغة الحقيقية.


----------------------------------

وله تتمة




--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول

جوانب الإيجاز في العربية

تمهيد:

الإيجاز ليس بلون بلاغي مقتصـر على ناحية أو جانب واحـد من اللغـة، وليس مقتصر في بحوث علم البـلاغة فحسـب، إنما اللغة العربيـة ذاتها لغة إيجـاز، وكثيراً ما تسلك الأساليب العربية مسـلك الإيجاز في الكلام العادي بغير قصد إلى الجمال في التعبير أو تزيين الكلام به، فقد يكـون الإيجاز في الكلام لدواعي أخرى تدعـو إليه غير الدواعي البلاغيـة، فكثيرا ما تسـلك مسـلك الإيجاز في صـياغتها للكلام، من حروف الكلمة، أو مفردات الجملـة، أو تركيب الجمل، أو قطعة كاملـة للكلام في موضوع معين.

ويتجلى الصورة بوضوح أشـد عندما نتناول بعض هذه الجوانب من اللغة العربية التي تسلك إلى الإيجاز في صياغة الكلام، أو التي تحوي على الإيجاز في أساليبها، من خلال مباحث هذا الفصل.

المبحث الأول

في الجانب اللغوي

يتضمن هذا الجانب عناصر وفنون مختلفة .نستعرض منها كالآتي:

أولا :النحت

النحت كما جاء في تعريف اللغويين: "أن تنحت من كلمتين أو أكثر كلمة لتدل على المعنى الذي نحتت منه لغرض السهولة اللفظية والاختصار".

وهذا التعريف في حـد ذاته يوضح لنا كيف يساهم النحت في تثبيت سمة الإيجاز للغة العربية، فعندما ننحت من كلمتين أو أكثـر كلمة واحدة لتدل على نفس المعنى فهذا من الإيجاز.

ولنؤيد ذلك بالأمثلة الشائعة الاستعمال التي تدور حولها النحت، منها:

"السمعلة" وهي كلمة نحتت من جملة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

"البسملة" وهي كلمة نحتت من جملة "بسم الله الرحمن الرحيم".

"الحوقلة" كلمة نحتت من جملة "لا حول ولا قوة إلا بالله".

"الحمدلة" كلمة نحتت من جملة "الحمد لله".

"جلمود" كلمة نحتت من كلمتين هما "جلد وجمد".

وهذه الأمثلة هي بعض الكلمات التي شاعت حولها النحت. ومنها نتبين كيف أن النحت صنف من أصناف الإيجاز في اللغة.

ثانيا :الضمائر

الضـمائر لها شـأن كبير في لغة العرب، لأنها كثيرة الاسـتعمال. وسـميت بالضمائر لأن المتكلم يضمر الاسـم الذي ذكره سـابقاً، أو لأنه يضمر اسـم المخاطب أو اسـمه في حال التكلم و يجعل هذه الكلمات كناية عما أضمره.

وتعريف الضـمير هو: ما يكنى به عن متكلم أو مخاطب أو غائب، فهـو قائم مقام ما يكنى به عنه، مثل "أنا، أنت، هو "والتاء من "كتبت، كتبت".

ويشتمل على سبعة أنواع: متصل، منفصل، بارز، مستتر، مرفوع، منصوب، مجرور. أي أن من هذه الضـمائر ما تكون متصلة بالأفعال نحو "ذهبت وذهبنا"، ومنها ما تكون منفصلة عنها نحو:" أنت، هو"، كما أن هناك ضمائر بارزة، هناك المستترة وجوبا أو جوازا تعرف من السياق، نحو: "اذهب، اذهبوا".

والأمثلة خير عون لنا على توضيح ذلك بصورة أجلى:

في الفعل الماضي: نحو "شـربت الماء" الضمير المتصل تاء الفاعل في "شربت" ضمير متكلم يعود إلى المتكلم نفسه.

في الفعل الأمر: نحو "خذ الكتاب" الضمير مستتر تقديره أنت أي "خذ أنت الكتاب".

في الفعل المضارع: نحو "أذهب ماشيا" الضمير مستتر تقديره "أنا".

هذه هي الضـمائر في حديث موجز لهذا المقام، وهي أهـم ما يتميز بها اللغة العربية لأنها عنصر لغوي أساسي يضمن الاقتصاد والاختصار الذي تسعى إليه اللغة.

ثالثا: الحذف

سـبق أن أشـرنا إلى أنه قد يحذف في اللغة العربية الحرف أو الفعل أو الجملة من الكلام دون أن يتسـبب في إخلال بالمعنى، فنجد الحـذف اللغوي كثير من الصور منها ما يلي:

القسم : نحو" والله لقد درست" حذف الفعل والفاعل في" أقسم" المحذوفة.

المبتدأ : مع أنه ركن أساسي في الجملة إلا أنه قد يحذف إن دلت عليه قرينة، ولم يتأثر المعنى بحذفه، نحو الجواب على سؤال جاء فيه: "أين أخوك؟" " مسافر"، أو "صبر جميل"، أي: " صبري صبر جميل".

الخبر: يحـذف الخبر إن دلت عليه قرينه، ويكون ذلك في جواب عن سـؤال، نحو قولنا: "زيد"، ردا على سـؤال جاء فيه: "من في القاعة ؟"، أو "لولا الحكم لسادت الفوضى"، أي: "لولا الحكم الموجود".

المفعول به: نحو "من اتقى وأعطى له جزاء حسن"، والتقدير": من أعطى المحتاج واتقى الله".

يحذف الحرف أحيانا لعلة تصريفية : نحو" ق" الأمر من: "وقى".

تحذف أحرف العـلة من أخر الفعل المعتل المضارع المجزوم، نحو: "لم يأت،لم يخش"، ومن آخر الفعل المعتل الأخر، نحو: "ادع، ابك، اخش".




--------------------------------------------------------------------------------

رابعا: الإدغام

الإدغـام هو: إدخال حرف في حرف آخر من جنسـه، بحيث يصيران حرفاً واحداً مشـدداً، مثل: "مدَّ يمدُّ مدّاً" وأصلها: "مدَدَ يَمْدُدُ مَدَدَاً"، ففي الأصل نجد أن أول الحرفين المتكررين ساكناً والثاني متحركاً، ثم ادغم الأول في الثاني فاصبحا حـرفاً واحداً مشدداً.

وهناك أمثلة أخرى يجدر الإشارة إليها:

إن الشـرطية عندما توصـل بلا النافية، فتقلب نونها لاما، وتدغم بلام "لا" فتصير "إلاّ"، ويجوز أن تدخل عليها اللام فتصير "لئّلا"، كما توصل أيضا بما الزائدة فتقلب نونها ميما وتدغم بميم "ما" فتصير "إمّا".

"أن" الناصبة توصل بلا النافية جوازا فتقلب نونها لاما وتدغم بلام "لا" فيصيران "ألا".

"عن" توصل بما الموصولة فتقلب نونها ميما وتدغم بميم "ما" فيصيران "عمّا".

"من" توصـل بما الموصـولة فتقـلب نونها ميما وتدغـم بميم "ما" فيصـيران "ممّا".

والإدغام موضوع منفرد له أقسـام وتفرعـات عديدة، والحديث فيه يطول، ولكن في موقفنا هذا لن نخوض في ذلك كله، ونكتفي بما سـردناه من أمثلة توضح كيف أن الإدغام في أحواله يشكل جزءً من أجزاء الإيجاز في اللغة العربية.

خامساً: الاستفهام و الشرط

إن أدوات الاستفهام والشرط فيها إيجاز تعطي المعنى التام و تغني عن كثرة المفردات، وذلك في قولنا: "أين زيد؟" يغني عن: "أزيد في الدار أم في المسجد أم ….إلخ، هذا في الاستفهام، أما في الشـرط فذلك قولنا: "من يقم أقم معه" يغني عن: "إن يقم زيد أو عمر أقم معه".

وجواب الاستفهام يكون فيه إيجاز أيضاً، وذلك في قولنا "ما بالدار من أحد" يغني عن: "ليس فيها زيد ولا عمر".

المبحث الثاني

في الجانب البلاغي

أولا: القصر

القصر في اللغة: الحبس، واصطلاحاً: تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص، وتخصيص شيء بشيء، أي: تخصيص موصوف بصفة أو صفة بموصوف، والمراد بالشيء الأول المقصـور، وبالثاني المقصور عليه، وبالطريق المخصوص: طرق القصر المصطلح عليها عند البلاغيين.

وأشهر هذه الطرق هي:

القصر بالنفي والاستثناء، نحو: ما حسّان إلا شاعر، أو ما شاعر إلا حسان.

القصـر بـ"إنما"، نحو قوله تعالى: ) إنما حرم عليكم الميتة( ، أي: ما حرم عليكم إلا الميتة، وكذلك في نحو: إنما جاءني زيد، أي: أن الذي جاءني ليس بعمر إنما زيد.

القصـر بالعطف بـ"لا" و"بل" و"لكن"، نحو: الأرض متحـركة لا ثابتة، وكذلك في نحو: ما حسان كاتبا، بل شاعر، أو: لكن شاعر.

القصر بتقديم ما حقه التأخير، نحو ) إياك نعبد وإياك نستعين( ، أي: نخصك بالعبادة والاستعانة، فلا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.

والقصر بـ"ما" يفيد الإثبات والنفي، فإن بلاغته تكمن في تمكين الكلام وتقريره في الذهن لدفع ما فيه من إنكار أو شك، إلى جانب أنه طريق من طرق الإيجاز، لأن جملة القصر في مقام جملتين، فقولنا "ما شوقي إلا شـاعر"، معناها: شوقي شاعر، وشوقي ليس بخطيب.

ثانيا: الحذف

هناك الحذف البلاغي الذي يسـتدعيه وجود المرجح للحذف على الذكر في أحوال المسند والمسند إليه، ودواع بلاغية مختلفة تقتضيه المقام للحذف، نذكر منها ما يلي:

أ ) حذف المسند إليه:

ومما يكثر حذف في المسند إليه هو المبتدأ أو الفاعل:

الاحـتراز عن العبث، من ذلك إذا وقع المبتدأ في جواب الاستفهام نحو قوله تعالى: ) وأصحاب اليمين ما أصـحاب اليمين، في سدر مخضود وطلح منضود( ، أي هم في سـدر مخضود وطلح منضود".

ضيق المقام عن إطالة الكلام، نحو قول الشاعر:

قــال لي:كيف أنت؟ قلت:

عليل سهر دائم وحزن طويل

أي قلت أنا عليل.

ب) حذف المسند:

سواء أكان خبرا أو فعلا، وأهم دواعي حذف المسند ا لاحتراز عن العبث بعدم ذكر ما لا ضرورة لذكره، ويكثـر ذلك في جواب الاستفهام نحو قـوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله( ، أي: ليقولون خلقهن الله.

ج) حذف المفعول به:

وأهم الدواعي والأغراض البلاغية

إفادة التعميم مع الاختصـار نحو قوله تعالى: ) والله يدعو إلى دار السلام( ، أي يدعو جميع عباده.

مجرد الاختصار أو الإيجاز: نحو قوله تعالى: ) رب أرني أنظـر إليك"( ، أي أرني ذاتك.

تحقيق البيـان بعد الإبهام: نحو قوله تعالى: ) ولو شـاء الله ما اقتتلوا( ، أي: ولو شاء الله ألا يقتتلوا ما اقتتلوا.



--------------------------------------------------------------------------------

المبحث الثالث

في الجانب الصوتي

أولا: الإدغام

الإدغام في علم القراءة عرفه أهل التجويد بأنه: "جعل النون الساكنة مع الحرف الذي يليها كحـرف واحد فقط"، وهذا التعريف قريب الشبة بتعريف الإدغام اللغوي على أن هناك حروف حصروها في كلمة: "يرملون".

ومن الأمثلة على ذلك: "من يعمـل، يهدي من يشـاء، من ربهم"، ومع حروف هذا الإدغام يصاحب صوت الغنة، إلا مع حري الراء واللام، والغنة صوت يخرج من الأنف مع النطق، فنلاحظ من الأمثلة التي ذكرناها أن النون الساكنة مع الحرف الذي يليها عند النطق بها تصير كحرف واحد فقط.

ثانيا: لام التعريف

إن في اللغة العربيـة لام التعريف التي تدخل على الأسماء ويكون لها حالتان في القراءة، وهما:

أ ) اللام القمرية

وهي التي تدخـل على الأسماء ويكون النطق بها ظاهر وواضح إذا اتصلت بالحروف الآتية المجموعـة في: "أبغ حجك وخف عقيمه"، وقد اتخذ العلماء لفظ "القمر" كمثـال على إظهار اللام فسـموها باللام القمرية، وذلك نحو: "القمر، الإنسان، البيان، العين".

ب) اللام الشمسية

وهي التي تدخـل على الأسماء ولا ينطق بها، بل ندغم في الحرف الذي يليها إذا كان واحداً من الحروف المجموعة في أوائل كلمات هذا البيت:

"طب ثم صل رحماً تفز ضف ذا نعم

دع سوء ظن زر شريفاً لكرم".

وقد اتخذ العلماء لفظ "الشمس" كمثـال على إدغامها، ولذلك سميت باللام الشمسية، وذلك نحـو: "الشمس، الرحمن، الصلاة، الزكاة، الشجر". وفي اللام الشمسية نلاحظ فيها الإيجاز والتسهيل في النطق.

وأداة التعريف في العربية مظهر من مظاهر الإيجاز، إذ تكون متصلة بالكلمة، وليست منفصلة عنها.


--------------------------------




--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني

أسباب الإيجاز

المبحث الأول

دواعي الإيجاز في الكلام

عرفنا كيف أن العرب منذ الجاهلية أشـادوا كثيراً بالإيجاز، ودعوا إليه ومارسوه في كلامهم وأدبهم، ولقد كانت ظروف مجتمعهم من أهم الدوافع التي تجعلهم يميلون نحو الإيجاز ميلاً شديداً، فقد كان مجتمعاً تشيع فيه الأمية وتندر فيه الكتابة، وهذا كان يدفعهم إلى الاعتماد على الذاكرة للحفاظ على أدبهم الذي يصور حياتهم من ناحية، وعلى أن تتناقله الأجيال عن طريق الرواية من ناحية أخرى.

ومهما يكن، فإن الذاكرة تخون في بعض الأحيان، والكلام المسهب قد يتعرض بعضه للنسيان بسبب طوله، ومن هنا، ولهذه الاعتبارات دعت الحاجة إلى الإيجاز في البداية، كأهم وسـيلة للحفاظ على التراث العقـلي، وهكذا كان الإيجاز عندهم، الذي قلما نظروا إلى مفهومه كما هو لدى رجـال البـلاغة المتأخرين، على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته، تستدعيه مقتضيات الكلام أحياناً".

وعندما جاء الإسلام اتسعت الدولة الإسـلامية كانت الحاجة إلى الإيجاز في سرعة البث في أمورها، إلى جانب تدوين الرسائل لأغراض مختلفة، "وما يتطلبه ذلك التدوين من قراطيس كان الحصول عليها شاقاً. ويروى أن عمر بن عبد العزيز كان إذا طلب منه كتّابه قراطيس أمرهم بالإيجاز والاكتفاء بما عندهم منها".

وهكذا كانت ظـروف المجتمعـين الجاهـلي والإسـلامي متقاربة من جهة قلـة الكاتبـين وندرة أدوات الكتابـة، فبذلك ظـل الإيجـاز وسـيلة أكثر منه غاية قائمة لـذاتها.

ثم حظي الإيجاز بعد ذلك تدريجياً باهتمام طائفة من الأدباء يتفننون في طرقها وأساليبها، فكان ذلك بداية لمرحـلة جديدة تطور فيها مفهـوم الإيجاز، والنظر إليه على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته يتنافسـون في الإبداع فيه حتى ود بعضهم لو أن الكلام كله مجرد توقيعات في قوالب من الإيجاز.

فمن الدواعي الظاهرة للإيجاز في الكـلام إلى جانب ما تقدم، يتمثل في تسـهيل الحفظ، لما في الإيجاز من اقتصـاد في الألفاظ، وبعد عن التكلف فيها، وتقريب الفهم لتصـويبه على المعاني، ومناسـبته للمقامات الضـيقة التي يحتاج فيها إلى الاقتصاد في الألفاظ، وتكثيـفها الألفاظ بالمعـاني، وأنه أنسـب الطـرق لتجنب الملل الذي قد ينشـأ من الإسـهاب والفضول في الكلام.

المبحث الثاني

أثر البيئة العربية في خلق الإيجاز وتفضيله

إن للبيئة التي يعيشها العرب أثرها في ميلهم نحو الإيجاز، فالبيئة الصحراوية التي ينتمون إليها كثيراً ما كانت تدفعهم إلى الترحال من مكان إلى آخر، والحرارة الصحراوية تجعلهم عرضة للظمأ القاتل، مما يدفعهم إلى السعي الحثيث إلى نبع صاف في منعطف الوادي يروون ظمأهم.

ولأجل ذلك تعود العرب أن يقصـدوا أقصر الطرق للوصول إلى غايتهم، وبالتالي انعكس ذلك على كلامهم أيضاً، فصاروا يبحثون عن أوجز الألفاظ تعبيراً عن أهدافهم.

تفضيل الإيجاز:

لقد جاء الرمـاني في تفضيل الإيجاز بقوله: "وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة، فالألفاظ القليلة إيجاز".

ويسوق ابن سنان الخفاجي تعليله في تفضيل الإيجاز مما يوافق قول الرماني حين قال: "والأصـل في مدح الإيجاز في والاختصار في الكلام أن الألفاظ غير مقصودة في أنفسها، وإنما المقصود هو المعاني والأغـراض التي احتيج إلى العبارة عنها بالكلام، فصـار اللفظ بمنزلة الطريق إلى المعاني، وإذا كان طريقان يوصل كل واحد منهما إلى المقصـود على السواء في السهولة إلا أن أحدهما أقصر وأقرب من الآخر، فلابد أن يكون المحمود منهما هو أخصرهما وأقربهما سلوكاً إلى القصد.

وإلى جانب تصريح الرماني وتعليل الخفاجي في توضيحهما تفضيل الإيجاز، وجدنا عند جعفـر بن يحي - وقد كان كبيراً في هذه الصناعة - تأييداً لهذا الموقف في قوله: "إن اسـتطعتم أن تكـون كتبكم كالتوقيعات فافعلوا"، وفي عبارته حث على الإيجاز وتفضيله، كما أنشد أحمد بن إسماعيل في الإيجاز:

خـير الكلام قليـل على كثـير دليـل

والعي معنى قصــير يحويه لفـظ طويل

وفي الكـلام فضول وفيه قـال وقيـل


-----------------------------------------






--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثالث

الإيجاز في العربية

تمهيد:

سبق أن أشـرنا إلى أن اللغة العربية هي لغة إيجاز، وأن الإيجاز في العربية لا يكون في جانب معين، ولا يتخذ صـورة واحدة أو قالباً معيناً، بل يسلك إليه مختلف مظاهر العربية على تنوع الأساليب واختلاف المستويات، لتمس كل جانب من جوانب اللغة، وكل صورة من صور البيان فيها.

وأول ما يكون في متناول اللغة هو القرآن الكريم، قال تعالى: ) إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون( ، وقال تعالى: ) بلسـان عربي مبين( ، وهو الكتاب المعجز الذي أنزل في عهد قمة الفصاحة اللغوية، فيأسـر العقول ويخضع له القلوب بما يحمله من معان تخاطب العقـل والعاطفة، وكان من بعد موضع اشـتغال العلماء في الدراسـة والبحث، ليخرجـوا بنتيجة واحدة، بأن هذه الآيات تحمل تشريعاً محكماً، وإعجازاً لغوياً لا يقدر على مثلها بشـر.

فهذا الكتاب الجليـل قد حمـل بين سـطوره بلاغة الإيحاء والإيجاز، ولا يخفي ذلك على المتـدبر في آياته الكريمة ونفحاته العطرة، ولا يخفى عليـه علو مقام القـرآن الكريم على سـائر الكلام.

ويتصدر أقوال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في قائمة ألوان الكلام بعد القرآن الكريم، لمكانتها الدينية والتشريعية، ولمكانتها اللغوية التي عرف عن فصاحة صاحبها صـاحب مجامع الكلم، وما عرف عنها من قمة الفصاحة وعلو البلاغة، وقد جاء في كلام "أبي بكر الصديق" رضي الله عنه: أن ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم من بلاغة وحسن بيان لا يتأتى لأحد من العرب.

وقد كان عليه السلام يخاطب كل قوم بما يناسبهم حالاً ومقاماً ولغة وفصاحة، وفي كلامه يقول "الرافـعي": "ألفاظ النبوة يعمرها قلب متصل لجلال خالقه، ويثقلها لسان نزل عليه القرآن بحقائقه، فهي إن لم تكن من الوحي ولكنها جاءت من سبيله، وإن لم يكن لها منه دليل، فقد كانت هي من دليله، محكمة الفصول حتى ليس فيها عروة مفصولة، محذوفة الفضول حتى ليس فيها كلمة مفضولة، وكأنما هي في اختصارها وإفادتها نبض قلب يتكـلم، وإنما هي في سموها وإجادتها مظهر من خواطره صلى الله عليه وسلم".

وهكذا فإن أقواله عليه الصلاة والسلام غلب عليها منحى الإيجاز والاقتصار، وذلك لأن فكره كان يغلب على لسـانه، فقـل كلامه ونزه عن الحشو وبرء من شوائب الإطالة.

وهناك تراث عربي فني له أهمية كبيرة في حفظ تاريخ العرب وأيامهم، وهذا الفن بلا شك فن الشعر، فقديما كان الشعراء يتبارون في الإبداع فيه وتخير أحسن الألفاظ وأجمل المعـاني، لتكـون أوقـع للنفس وأثبت، كما كان للشـعر والشـعراء أهمية ومكانة خاصة عند العرب.

وقد تسـرب هذا الفن من عصر إلى عصر وتناقله الأجيال، إلى أن وصل إلى عصـرنا الحالي والشـعر له ألوان وفنـون مختلفة، إلا أنها لا تخلو من الإيجاز، وكيف لها وأن الشـعر بطبيعته ينحي منحى الإيجاز، لأن الشـعر يحتاج إلى صور تتلاعب ظلاله في ذهن سامعه.

وهكـذا كان الشـعر أحـوج إلى الإيجـاز والمفـردات القليـلة التي تحمـل معان غزيـرة.

وقد عرف عن العرب حـذقهم فن صـناعة الكلام وإجـادة فن القـول، وبلغـوا منه حـداً عظيماً نتيجة تمكن الفطـرة اللغـوية في نفوسـهم، وأنهم جبلوا على الفصاحة والبيان.

وللعرب فصحاء وبلغاء كانت لهم أقوال ذات مفاهيم جمالية تشكلت في كلمات قليلة، ذات تنسـيق متخير، يترك في الفكـر صوراً لمعان يطول شـرحها. وهكـذا نجد أن في الأسـاليب العربية على اختلاف ألوانها تحتـوي على الإيجاز، ونتناولها مفصلاً في المباحث الآتية.




--------------------------------------------------------------------------------

المبحث الأول

الإيجاز في الإعجاز القرآني

لقد أعز الله سبحانه وتعالى اللغة العربية بكتابه المجيد القرآن الكريم الذي يحمل بين سـطوره آيات تحمل معان بليغة بألفاظ فصيحة، وقف الإنسان عاجزا ومذهولا أمام هذه الآيات القرآنية التي جاءت معجزة لا يقدر عليها البشر.

والقرآن منذ نزوله كان محط اهتمام وبحث العلماء، ينقبون مواطن جماله ويفتشون عن أسراره، ونتيجة النظر والبحث "أجمع العلماء على الإعجـاز البياني والبلاغي في القرآن"، وبرز أعلام من العلماء في هذا الميدان منهم "الجرجاني" و"الخطابي" و"الرماني".

والآيات القـرآنية نجد فيها أن الإيجاز إعجاز بلاغي، فإذا تدبرنا آيات القرآن الكريم عرفنا مدى بلاغة الإيحاء والاخـتصار وتأثيره على النفس وأسـره للفكر، ونورد هنا قبسات من القرآن الكريم تدل على ذلك:

قوله تعالى: ) خـذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلي( ، فهذه الآية جامعة لمكـارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق، واللين والرفق في الدعاء إلى الدين، وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شـاكلهما من المحرمات، وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة.

قوله تعالى: ) وفي أنفسكم أفلا تبصرون( ، الآية في أمر عباده أن يعتبروا وقرب ذلك عليهم، ففي كل شئ من خلق الله عز وجل للإنسان عبرة إلا أن أقربها أقصرها أمر نفسه.

قوله تعالى: ) ولا يحيق المكر السـيئ إلا بأهـله( ، أي من يضـمر لغيره شـراً يعـود عليه، ويتناسـب هذا مع قولهم: من حـفر حـفرة لأخـيه وقع فيه".

قوله تعالى: ) ولهن مثل الذي عليهن( ، وهذا كلام يشمل جميع ما يجب للنساء على الرجال من حسن المعاشرة وصيانتهن وإزاحة عللهن وكل ما يؤدي إلى مصالحهن، كما يشـمل ما يجب للرجال على النساء من طاعة الأزواج وحسن المشـاركة في السراء والضراء والسعي إلى مرضاته وحفظ غيبتهم وصيانتهم عن خيانتهم.

المبحث الثاني

الإيجاز في البيان النبوي

البيان النبوي يشمل ثلاثة جوانب، اثنان منها هما الجانب الفعلي والجانب التقريري لا يدخلان نطاق بحثنا هذا، وإنما الذي نحن بصـدد دراسـته هو الجانب القولي مما أثر عن الرسـول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا الجانب لا نتنـاوله من الناحيـة الاستدلالية التشريعية، وإنما نتناوله من الناحية اللغوية والفنية التعبيرية.

لقد جاء على لسـانه صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش"، وقـد أدرك العلمـاء قديماً وحـديثاً قيمة البيان النبـوي وسـر تفوقه وعلـو بلاغته، وفيه يقـول الجاحظ: "هو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثر عدد معانيه وجل عن الصنعة والتكلف……"، فنرى أن القصـد في اللفظ والإحـاطة بالمعني من خصائص البيان النبوي.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم"، "وجوامع الكلم هو ما كان كثير المعاني وقليل الألفاظ"، وقد كان يغلب على كلامه صلى الله عليه وسلم طابع الإيجاز، حيث كان لا يحبذ الثرثرة والإندفاع في الكلام، فقد تكلم رجل عنـده فأطال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كم دون لسانك من حجاب؟، فقال: شفتاي وأسـناني، فقال له: "إن الله يكره الإنبعاق في الكلام، فنضر الله وجه رجل أوجز في كلامه واقتصر على حاجته".

وهذه كانت طبيعة في النبي صلى الله عليه وسلم بل وفي الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً، كما ورد في قوله: "نحن معاشر الأنبياء فينا بكاء"، أي قلة في الكلام، من بكأت الناقة والشاة إذا قل لبنها.

وهذا بالإضافة إلى تأثره بالقرآن الكريم الذي تخلّق به قولاً وعملاً، ومما يشير إلى أنه يؤثر الإيجاز قوله لجرير بن عبد الله البجلي: "ياجرير إذا قلت فأوجـز، وإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف".

ولنا في كلامه صلى الله عليه وسلم أصدق مثال، ونورد قبسات من نوره:

قوله صلى الله عليه وسـلم: "كفا بالسلامة داء"، وهذه من أحسن وأبلغ وأوجز كلامه، حيث أنها ثلاث كلمات تحمل بين طياتها معان جمة، ملخصها أن السلامة تفضي إلى الأدواء القاتلة والأعراض المهلكة، لأن طولها يؤدي إلى موت الشهوات وانقطاع اللذات وآفات الهرم، فحسن من هذا الوجه أن تسمى داء إذا كانت مؤدية إليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"، غيها الإيجاز والفصاحة باديان، فالهدف من الحديث النـهي عن إيذاء الجار، وكان من الممكن أن يؤدى بغير هذه العبـارة، كأن يقال مثلاً: إياكم وإيذاء الجار، لكنه صلى الله عليه وسلم آثر تلك الصورة وعدل عن سـواها لعدة دلالات تستفاد من "يأمن" و"بوائق"، فكلمة يأمن تحمل معان لا تحتمله كلمة يؤذي، ويأمن من الأمن ضد الخوف، وفيها بيان لطبيعة العلاقة بين الجار وجاره، وتشمل كل ما يؤدي إلى الاستقرار والطمأنينة، وفيها مبالغة في النهي عن إيـذاء الجار، كأن مجرد شعور الجار بالخوف من جاره سـبباً في حرمانه من دخول الجنة. وكلمة بوائق تدل على بشاعة إيذاء الجار لما فيها من معني الاغتيال والقتل، وهذا أنسب في مقام التحذير.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يطبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن"، في هذا القول الموجز فصل لنا ثلاث جوانب من الفتنة، حيث حدد الزمان، ثم كشف عن صورة هذه الفتنة من حيث القوة والضعف، وبعد ذلك وضح لنا الآثار التي تترتب عليها قيام الفتنة، فكلمة "يوشـك" تدل على قرب وقوعها، وكلمة "خير" وما بعدها بيان لصورة الفتنة وقوتها وآثار ذلك على المسلم، وأيضا كلمة يتبع تدل على فقدان الناصح وفساد البيئة التي وقعت بها الفتنة، وكلمة مواقع القطر فيه إيحاء بتخير المكان الصالح للعيـش بعد الفرار من الفتنة، وكلمة "يفر" بيان لقوة الفتنة وأثره على المؤمن وهو يجد في الفرار.

ومن تأملنا لأحاديثه صلى الله عليه وسلم يتبين كيف كان دقة أسـلوبه في التعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ المقتصـدة، وكيف يبدوا الإيحاء الشديد بالمعاني وإثارتها واخـتيار الألفاظ بدقة بعيداً عن التكلف والزخرفة، مع احتوائها على قيم الجمال الفني وروعة التصوير، مما يجعلها تحتل قمة في عالم البيان.



--------------------------------------------------------------------------------

المبحث الثالث

الإيجاز في الأسلوب العربي

اشتهر العرب بفصـاحة ألسنتهم وبلاغة كلامهم وكانوا يعتنون كثيرا بالإيجاز ويقصدونه في كلامهم بالإتيـان بألفاظ استغنوا بواحدها عن ألفاظ كثيرة، فغالب كلام العرب مبني على الإيجاز والاختصار وأداء المقصـود من الكلام بأقل عبارة، والأسـاليب العربية على اختلافها لا تخـلوا من الإيجاز، وبخاصة في الأشعار والمكاتبات والتوقيعات والحكم والأمثال:

أولاً: الشعر:

لقد جاء الإيجاز بلاغة في النثر، إلا أنه أولى في الشـعر لما يستدعيه الشعر من كل ما يقوي دعائم الخيال ويفسـح مجـاله فيه حتى لا تكون المعاني مغلولة بالألفاظ المتراكمـة ولا كثـرة العبارات التي تبوح بالتفاصيـل والدقائق مما يفقد حلاوة الشـعر ويطفئ شـعور سامعه.

والشعر بوجه عام تكثف فيه المعاني فيكون البيت الواحد فيه متسع لمعنى أو معان لو كانت نثـراً لجاءت في جمل كثيرة، وذلك كما يقـول "الصابي" في المثل السائر: "أن الشـعر بني على حدود مقررة، وأوزان مقدرة، وفصلت أبياته، فكان كل بيت منها قائما بذاته وغير محتاج إلى غيره إلا ما جاء على وجـه التضمين وهو عيب، والنفس في البيت الواحد لا يمتد بأكثر من مقدار عروضه وضربه".

وقـد اتخـذ كثير من الشـعراء الإيجـاز منهجا في نسج أشـعارهم لتكـون أوقـع في النفس وأرحب في الخـيال، "وقد قيل للفرزدق: ما صيرك إلى القصـائد القصـار بعد الطـوال؟ فقال: لأني رأيتها في الصـدر أوقع وفي المحـافل أجـول".

ومما جاء به الفرزدق من الإيجاز قوله:

ضربت عليك العنكبوت بنسجها

وقضى عليك به الكـتاب المنزل

فتأويل هذا أن بيت جـرير في العرب كالبيت الواهـي الضعيف فقال:وقضى عليك به الكتاب المنزل. يريد به قول الله تعالى: ) وإن أوهن البيوت لبيت العنكبـوت لو كانوا يعلمون( .

ومن الأمثلة أيضا على بلوغ المعاني بالألفاظ اليسيرة، قول أبي ذؤيب الهذلي:

والنفـس راغـبة إذا رغبتها

وإذا تـرد إلى قليــل تقنع.

أي أن نفس الإنسان ترغب دائما في الكثير ورغباتها ليس لها حدود، ولكن للإنسان مقدرة على التحكم في رغبات نفسـه والإمساك بزمامها، فإن أطلقها فإنها تسبح في فضاء واسع وإن أمسكها فإنها تخضع لقدرته.

ومن ذلك قول أحمد شوقي:

نظرة فابتسـامة فكـ ـلام فموعــد فلقاء

ففي قول شوقي هذا إيجاز شديد، فالقارئ لهذه الجملة الموجزة يجد أمامه كلمات بسـيطة جاءت بترتيب متعاقب في صـورة مختصرة إلا أنها تحمل في ذهنه صورا لمشـهد أو لمشاهد متسلسلة ذات بداية ونهاية، ولو أنها جاءت في قالب أخر لتطلب تفاصيلها كلمات وسطور طويلة.

وهكذا نرى الشـعر في مختلف عصـوره القديمة والحديثـة ينزع بطبيعته إلى الإيجـاز.

ثانياً: المكاتبات والتوقيعات:

من أدق حـدود البلاغة هو أن تحتوي ألفاظاً متخيرة جميلة لمعنى واضح، وتضعها في إطار من الإيحاء والإيجاز، وقد قال شبيب بن شـبة: القليل الكافي خير من كثير غير شـاف، وقال بعضهم: الإيجـاز هو البلاغة، وفي العربية برز لون من ألوان الكتابة يميل نحو الإيجاز الشـديد، حتى لا تكون إلا مجرد جمـلة أو جملتين أو جمل معـدودة فقـط، وهذا بوجه خاص نجـده في التوقيعات التي كانت منتشـرة بكثرة في العصر العباسي، مع أنها عرفت في الإسـلام منذ عهد عمر رضي الله عنه.

ومن أمثلة التوقيعات في العصر الإسلامي: توقيع علي كرم الله وجهه إلى طلحة بن عبيد الله: "في بيته يؤتى الحكم".

ومنها توقيع "عمـر لعمرو بن العاص" إلى عاملـه على مصر في كتاب: "كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك".

ومن توقيعات العصر العباسي: توقيع "جعفر بن يحي" إلى بعض عماله: "قد كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت".

ومن المكاتبات أو الرسـائل الشديدة الإيجاز: رسالة "يزيد بن الوليد" إلى "مروان بن محمد" وقد بلغه عنـه بعض التجسس عن بيعته: "من عبد الله أمير المؤمنين يزيد بن الوليـد إلى مروان بن محمد، أما بعد: فإني أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيهما شئت، والسلام".

ثالثاً: الحكم والأمثال:

الحكم والأمثـال عادة ما تكون على صورة ألفاظ متخيرة ومتناسقة موجزة ومختصرة، إلا أنها تحوي معان واسعة قد تتعلق بحادثة أو مناسـبة ما، وأكثر ما تكون على صورة وعـظ ونصـح، أو إخبار بما قد يغفل عنه الفكـر، وأغلب هذه الأمثال تكون في قالب من ألفاظ يسـيرة ترسـل إلى الخيال والفكـر معان غزيرة، وبالتالي تؤثر في النفس أيما تأثر.

والأمثال تضرب على أحداث جديدة تكون شـبيهة بأحداث قديمة مشـهورة، وكما تكون الأمثال نثراً تكون شعراً، وهي تضرب كما وردت دون تغيير في لفظها.

ولنتأمل بعض ما جرى من لسان العرب مجرى الحكم والأمثال:

زر غباً تزدد حباً: والمقصود: باعد بين زياراتك فيزداد حب وشوق الآخرين لك.

المرء مخبوء تحت لسانه: والمقصود: أن شخصية المرء وحقيقته تعرف عند حديثه.

الناس أعـداء ما جهلوا: والمقصـود من المقولة: أن الناس عادة ينكرون كل ما يخالف ما في عرفهم.

وللحكماء والفصحاء أقوال بليغة فيها إيجاز بارز والمعنى ظاهر:

قول عمـرو بن العاص: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفـع وإن أكثـرت منه قتـل.

من أقوال سـقراط: كل شئ يستطاع قلبه إلا الطبيعة ويقدر على رده إلا القضاء.

قول الفضل بن عياض: الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت واسـطة.

قول أبي الفضل بن العميد: خير القول ما أغناك جـده وألهاك هزله.

رابعاً: الخطب:

الخطبة من أهـم الفنون التي تتعلق بالحياة العربية الاجتماعية والسياسية، ولا يخفي تأثيرها البالغ على حياة الأمة، ويتبع في الخطب أساليب متعددة تناسب المقام والمناسبة التي تلقى فيها.

فمن أبرز الخطب الموجـزة ما أورده "الجاحظ" من خطبة النبي صلى الله عليه وسـلم: "حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين آجـل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسـه لنفسـه، ومن دنياه لآخـرته، ومن الشبيبة قبل الكـبرة، ومن الحياة قبل الموت، فوالذي نفس محمد بيـده ما بعد الموت من مسـتعتب، ولا بعـد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار".

ومن العرض السـابق تبين لنا أن الإيجاز لا يتخذ صـورة أو قالب معين، بل نجده يتخـذ حيزا كبيرا في مختلف الأسـاليب التي جاءت بها العـربية على مر عصـورها.


سعد ناصرالدين




--------------------------------------------------------------------------------

الباب الثاني




الإيجاز في البيان

الفصل الأول

أساليب البيان

تمهيد:

موضوع الإيجاز في بحوث العلماء يندرج تحت بحوث علم المعاني، وكان استصحابهم له في الغالب مع الإطناب والمساواة، على أنها أساليب للتعبير، ورأينا أن تكون هذه نقطة من نقاط تطرقنا إلى توضيح الإيجاز، مع استعراض آراء العلماء التي لمست هذا الجانب.

فقد عرف "الخطيب القزويني" علم المعاني بأنه: "علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال" ، وأحوال اللفظ في تعريف "القزويني" تشمل أحوال الجملة، كالقصر، والفصل والوصل، والمساواة والإيجاز والإطناب، كما تشمل أحوال أجزائها، كأحوال الإسـناد، وأحوال المسند، وأحوال المسند إليه، وأحوال متعلقات الفعل، وأحوال اللفظ هذه مقيدة بما يطابق مقتضى الحال.

وفي المختصر لعلم المعاني جاء "السـعد" بتعريف أوجز وأدق لعلم المعاني، وهو: "علم يعرف به كيفية تطبيق الكلام العربي لمقتضى الحال"، ومن مباحث علم المعاني: الإيجاز والإطناب والمساواة، وهي طرق للتعبير عن المعاني التي تجول في النفس، وقد قال فيها "السكاكي": "أما الإيجاز والإطناب فلكونهما نسـبيين لا يتيسر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق والتعيين والبناء على أمر عرفي، وهو متعارف الأوساط، مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم مقيسا عليهم، ونسمه متعارف الأوساط، وأنه في باب البلاغة لا يحمد ولا يذم".

فقوله: "أما الإيجاز والإطناب فلكـونهما نسبيين"، إنما كانا نسـبيين لأن إيجاز الكلام إنما هو بالنسـبة إلى كلام أزيـد منه، وإطنابـه إنما هو بالنسـبة إلى كلام أنقص منه.

وقوله: "لا يتيسـر الكلام فيهما إلا بترك التحقيـق والتعيين"، أي لا يمكن التنصيص على أن هذا المقـدار من الكلام إيجاز وذاك إطناب، إذ رب كلام موجز يكون مطنباً بالنسبة إلى كلام آخر وبالعكس، وبهذا وجب الرجوع في بيان معناهما إلى القياس على متعارف الأوسـاط.

وقوله: "والبناء على أمـر عـرفي"، أي على أمـر يعرفه أهل العـرف وهو "متعارف الأوساط"، أي: أوسـاط الناس الذين ليسـوا في مرتبـة البلاغـة ولا في غاية الفهاهة.

وقوله: "كلامهم على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني"، أي: على مجرى عرفهـم في تأدية المعاني عند المعاملات والمحاورات.

وقوله: "لا يحمد"، أي: من الأوساط. وقوله: "في باب البلاغة"، لعدم رعاية مقتضيات الأحـوال. وقوله: "ولا يذم"، لأن غرضهم تأدية أصل المعنى بدلالة وضعية بألفاظ كيف كانت.

ومن ذلك فإن "السـكاكي" بيّن بأن الإيجاز والإطناب من الـأمور النسـبية التي يتوقف تصـورها بالقياس على أمر آخـر وهو: "متعارف الأوساط"، ولذا فقد جاء تعريفه للإيجاز بأنه أداء المعنى المقصـود بأقل من عبـارات متعارف الأوساط، وعرف الإطناب بأنه أداء المعنى بأكثر من عباراته.

وأما "الجرجاني" فقد قال في معنى الإيجاز: "لا معنى للإيجـاز إلا أن يدل بالقليـل من اللفظ على الكثير من المعنى، وإذا لم تجعله وصفا للفظ من أجل معناه أبطلت معناه، أعني أبطلت معنى الإيجاز.

كما أضاف "الخطيب" في "الإيضاح": "والأقرب أن يقال: المقبول من طرق التعبير عن المعنى هو تأدية أصل المراد بلفظ مساوٍ له، أو ناقص عنه واف، أو زائد عليه لفائدة.

وهكذا فإن الجرجاني والقـزويني لم يرتضيا مقياس السكاكي، بل أن الأمر المقيس عليه هو المعنى المقصود نفسه.

وبعد فإن في العربية أساليب معروفة في البيان، تتمثل في الإيجاز، والإطناب، والمساواة، وسنتناولها من خلال المباحث التالية:


--------------------------------------------------------------------------------

المبحث الأول

المساواة

المسـاواة عند "السكاكي": هي الأصل المقيس عليه، لأنها متعارف الأوسـاط الذي قـال به، ويعـرف الخطيب القزويني المسـاواة هي: أن يكـون اللفظ بمقـدار أصـل المـراد لا ناقصـاً عنه بحـذف غيره، ولا زائـداً عليه بنحـو تكرير أو تتميـم أو اعتراض.

وفي المسـاواة يقول "أبو هلال العسـكري": أن تكون المعاني بقـدر الألفاظ، والألفاظ بقـدر المعـاني، لا يزيد بعضها على بعض، وهـو المذهب المتوسـط بين الإيجاز والإطناب.

فالمسـاواة: "تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له"، ومن أمثلتها:

قوله تعالى: ) ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله( ، والمعنى: لا يحيق المكـر السيء بأحد إلا بأهله.

وقول الرسول صلى الله عليه وسـلم: "الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك مشـتبهات".

ومن أمثلتها قول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخــبار من لم تزود

فمن الأمثلة السـابقة نجد أن الألفاظ فيها بقدر المعاني، ولو أننا حاولنا أن نزيد فيها لفظا لجاءت الزيادة لغـير فائدة، أو أردنا إسقاط لفظ لكان ذلك إخلالا بالمعنى، فالألفاظ في كل مثال مساوية للمعاني، ولذلك وصف أبو هلال العسكري المساواة بالمذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب.

المبحث الثاني

الإطناب

أولاً: الإطناب والتطويل والحشو

الإطناب عند "السكاكي" هو: "أداء المقصود بأكثر من عبارات المتعارف". والإطناب في اللغة مأخوذ من: أطنب في الشيء إذا بالغ فيه. ويقـول ابن الأثير:"فعلى مقتضى مسـماه كان معناه المبالغة في إيراد المعاني، فبذلك كان الإطناب في الاصـطلاح: هو زيـادة اللفـظ على المعنى لفائدة"، وعنـده أن هذا الحـد هو الذي يميـزه عن التطويل إذ أن التطويل:"هو زيادة اللفـظ عن المعنى لغير فائـدة".

وللتفرقة بين الإطناب وبين التطويل والحشو: نقول أولا أن التطويل أن تكون الزيادة فيها لغير فائدة وغير متعينة، كقول الحطيئة:

ألا حــبذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النأي والبعد

فإن "النأي والبعد" تطويل، لأن اللفظين بمعنى واحد ولم يتعين الزائد منهما، ولا المعنى يتغير بإسقاط أحدهما، فلا فائدة في الجمع بينهما. ثانيا الحشو: أن تكون الزيادة فيها لغير فائدة ومتعينة، وهو نوعان:

أ ) حشو مفسد للمعنى

وذلك كقول أبي الطيب:

ولا فضل فيها للشـجاعة والندى

صـبر الفتى، لولا لقاء شـعوب

فكلمة "الندى" التي جاءت بمعنى الكرم فيها حشو مفسد للمعنى، فإن الشاعر أراد أنه لا فضـل في الدنيا للشجاعة والصبر لولا الموت، وهذا صحيح، لأنهما من الفضائل لما فيهما من الإقـدام على المـوت، ولكن هذا لا ينطبق على "الندى"، فلو علم الإنسان بأنه يخلد ف
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى